التعليم عن بعد في حلقات - الحلقة 1 - في ماهية التعليم عن بعد
التعليم عن بعد، وانطلاقا من التسمية، مجال -حديث شيئا ما- من مجالات التعليم، ونمط زعزع بعض الأركان التقليدية المعروفة للعملية التعليمية، منها ركني الزمان والمكان والفضاء الجغرافي وحتى قضايا تتعلق بالبيداغوجيات والديداكتيك، ناهيك عن الوسائل والوسائط.
وبالرغم من أن كبار الاختصاصيين وخبراء التربية يؤكدون ألا شيء يعوض النمط الحضوري الكلاسيكي المعروف الذي يركز أساسا على التفاعل الصفي الحقيقي بين المكونات الأساسية للعملية التعليمية التعلمية (المدرس والمتمدرس والمادة المدرسة)، وألا بديل عنه، إلا أن هذا المفهوم، ومنذ نشأته واعتماده من قبل مؤسسات تعليمية وتكوينية سباقة في بعض الدول الغربية، شق خطوات وحقق قفزات وانتشارا، وتطور شكلا وأسلوبا وحتى مضمونا.
وما ساعده على ذلك في اكتسابه القوة والمناعة والسمعة والأهمية، ما شهده التطور التكنلوجي الكبير والخارق، في مجال وسائل الإعلام والتواصل في العهود الأخيرة في العالم (البريد، وموجات أثير الراديو، التسجيلات الصوتية وبعدها الفيديو، وبعد ذلك التلفاز والحاسوب وأخيرا الشبكة العالمية للأنترنيت). هذا ما أدى بالتعليم عن بعد إلى أن يجد مكانته المهمة في العملية التعليمية والتكوينية بحيث أصبح أحد الروافد الأساسية والمكملة والضرورية في عصرنا هذا، من شأنه أن يساهم في التعليم والتعلم والتكوين في صفوف كل الأصناف البشرية: الصغيرة والكبيرة، المثقفة وتلك التي لا تزال في حاجة إلى التأهيل، الميسورة والفقيرة، العامة ومن ذوي الاحتياجات الخاصة: كل حسب حاجاته واحتياجاته ومركز اهتماماته وأهدافه ورغباته وميولاته.
تعاريف:
1– تعريف اليونسكو: ''هو الاستخدام المنظم للوسائط المطبوعة وغير المطبوعة التي تكون معدة إعدادا جيدا من أجل جسر الانفصال بين المتعلمين والمعلمين، وتوفير الدعم للمتعلمين في دراستهم''.
2– يقوم التعليم عن بعد على مفهوم التعلم الذاتي، وتوظيف الوسائط التكنلوجية الحديثة في التعليم وعدم تواجد المعلم والمتعلم في مكان واحد أو توقيت واحد وعدم تفرغ المتعلم للدراسة كما يحدث في التعليم التقليدي.
3– تعريف إجرائي: ''هو ذلك النوع أو النظام من التعليم الذي يقدم فرص تعليمية وتدريبية إلى المتعلم دون إشراف مباشر من المعلم ودون الالتزام بوقت ومكان محددين لمن لم يستطع استكمال الدراسة أو يعيقه العمل عن الانتظام في التعليم النظامي، ويمكن أن يعتبر بديلا أو مكملا للتعليم التقليدي، ويتم تحت إشراف مؤسسة تعليمية مسؤولة عن إعداد المواد التعليمية والأدوات اللازمة للتعلم الفردي، اعتمادا على وسائط تكنلوجية عديدة مثل الهاتف أو الراديو أو الفاكس أو التلكس أو التلفزيون أو الكومبيوتر أو الأنترنيت... التي يمكن أن تساعد في الاتصال ذي الاتجاهين بين المتعلم وعضو هيئة التدريس''.
من خلال التعاريف السابقة، يمكن أن نستخرج بعض خصائص هذا المفهوم، وهي على سبيل المثال:
- التباعد: بين المعلم/الأستاذ/المكون، والمتعلمين/المتمدرسين/المتكونين. هذا التباعد يشمل بعدي المكان وحتى الزمان.
- استثمار وسائط: لإيصال المضامين أو المقرر، هذه الوسائط كثيرة ومتعددة وتتطور بالموازاة مع التطور التكنلوجي (مطبوعات ورقية وغير ورقية، تسجيلات صوتية وحتى مرئية، التلفاز، حوامل الكترونية، الحاسوب، الانترنيت...).
- تحديد المضامين: بحيث تعد وتوجه خصيصا للمعنيين قصد دراستها و استيعابها والتطبيق عليها في أفق التأكد من استيفائها وتخويل المعني بالأمر بشهادة الاعتراف أو النجاح أو التمكن. هذه المضامين هي أساس العقد الديداكتيتي القائم بين طرفي العملية.
- تغير إيقاعات التمدرس والتعلم: اختيار متى وأين وبأي إيقاع -معقول طبعا، من قبل المتعلم- يتعلم ويدرس ويكتسب التعلمات الجديدة، مع إمكانية الاستمرار في إنجاز أعمال أخرى إلى جانب الدراسة.
- الاستدامة: يعطي هذا النوع من التعليم كل الفرص لكل من يرغب في فيه قصد تطوير كفاياته وصقل مواهبه وتحسين أدائه في مجالات الحياة، بغض النظر عن السن أو الجنس أو الإقامة أو نوعية العمل...
- بين البديل والتكامل: يمكن لهذا النوع من التعليم أن يكون بديلا ظرفيا في بعض الحالات الاستثنائية كالظرفية التي يعيش فيها العالم حاليا على سبيل المثال لا الحصر، كما يمكن له أن يكون مكملا ومساعدا في الظروف العادية بالرغم من مساهمته في تكريس الفوارق الطبقية والاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع.
- تكريس الاستدامة: التعليم عن بعد يعزز بقوة الانتقال من تعليم المعارف إلى تعليم التعلم الذي يضمن عملية التعليم والتدريس وتنمية المعارف لدى الأشخاص كيفها كانوا.
- التعليم عن بعد عنصر حديث، أساسي ومهم في إدارة الأزمات مما يقوي ويحافظ على الأمن القومي لكل دولة ولكل مجتمع.
بعد هذا التعريف البسيط، ولكي تتضح الصورة أكثر ما دمنا نتناول التعريف، ننتقل إلى ذكر مختلف التسميات التي تطلق على هذا النوع من التعليم في مختلف الأوساط والمجتمعات والدول في مختلف بقاع العالم، علما أن اختلاف التسميات مرده إلى اختلاف وتنوع المرجعيات العلمية والمعرفية وكثرة النظريات والمناظير (جمع منظور) البيداغوجية وكذا إلى تباين الخلفيات الثقافية والإيديولوجية والسياسية والعلمية والتكنولوجية لكل دولة ولكل مجتمع. وبدون مزيد من الإطالة، نأتي على ذكر عدد من المصطلحات الدالة على التعليم عن بعد والتي لها مجالات مشتركة كما بعض الاختلافات، وبقليل من البحث، يمكن الوقوف على بعض الفروقات والاختلافات لهذه التسميات، لكن المعنى العام يجمعها في كثير من المقتضيات:
✍ التعليم عن بعد l’enseignement à distance.
✍ التكوين المفتوح عن بعد la formation ouverte à distance.
✍ التعليم/التعلم الالكتروني e-learning.
✍ La cyberformation.
✍ التعليم الافتراضي l’enseignement virtuel.
✍ التعليم الذكي l’enseignement intelligent.
✍ التعليم المدمج Blended learning.
✍ التدريس عن بعد Télé Teaching.
✍ التعليم المنزلي Home Study.
✍ التعليم المستقل Independance Education.
إنها بعض المصطلحات التي تطلق على هذا المفهوم الذي نحن بصدد تناوله. قد نصادفها هنا أو هناك، وقد نستشعر بعض الفروقات في المعنى والمضمون وحتى في الطرق والأسلوب والوسائل، لكن يبقى المعنى العام هو المراد وهو المبتغى.
بقلم: ذ. محمد صادقي