التعليم عن بعد في حلقات - الحلقة 2 - وسائل وطرق وتقنيات التعليم عن بعد
مفهوم ''التعليم عن بعد'' ليس جديدا البتة، لكون البشرية عرفته منذ نصف قرن من الآن أو أكثر بقليل، لكن بطرق ووسائل وتقنيات تختلف وتتطور على مدار هذه السنوات الماضية، إذ يتماشى ذلك التطور مع سيرورة اختراع وابتكار العتاد والتقنيات التكنولوجية التي يزخر بها العالم حاليا ولا يزال.
انطلاقا مما سبق، سأحاول الوقوف على عدد من هذه الوسائل والطرق والتقنيات حسب ظهورها في المجتمعات الحديثة، منذ البدايات الأولى إلى يومنا هذا. كل هذا، من أجل الوصول إلى نتيجة مفادها أن التعليم عن بعد هو أحد أهم مجالات التعليم الذي بدأ يكتسي أهمية أكثر فأكثر عبر تاريخ تطوره حيث مكنه ذلك من لعب أدوار رائدة في التثقيف والتعليم والتكوين وتطوير كفاءات متعددة في جل المجالات الحياتية، خصوصا لدى المجتمعات التي اعتمدته منذ مدة طويلة، لفائدة الكبار والصغار على حد سواء.
1 – التعليم عن طريق المراسلة:
يعد هذا النوع من النماذج والوسائل التي اعتمدت من قبل العديد من المؤسسات الجامعية أولا، وبعدها تبنته باقي المؤسسات التعليمية والتكوينية. وطريقته هو، بعد تسجيل الطلاب أنفسهم في مؤسسة ما، يتم، وبشكل دوري، إرسال الدروس والمضامين المعدة جيدا والمطبوعات الورقية، إلى المسجلين، قصد دراستها في مقرات إقامتهم وفي مدنهم أو دولهم، لمدة محددة، تنتهي بحضورهم في تلك المؤسسات لاجتياز امتحانات مختلفة للحصول على الشهادات المرغوبة. كان هذا في المراحل الأولى، وبعد ذلك تم اعتماد حوامل أخرى هي عبارة على الأشرطة والفيديوهات المسجلة.
2 – التعليم بواسطة الراديو والتلفاز:
بعد ذلك بسنوات، تمت إضافة موجات الراديو والتلفزيون كوسائط أسرع وأنجع، تقدم فيها -في إذاعات وقنوات خاصة- الدروس المسموعة والمرئية للمعنيين، وبعد ذلك، وكما العادة، يلتقي المستفيدون من هذه الدروس في مؤسسات معينة لإجراء الامتحانات قصد الحصول على الشواهد أو الترقي في عمل من الأعمال. وجدير بالذكر أن هذين النوعين من التعليم ازدهرا في ستينيات وسبعينيات وبداية ثمانينيات من القرن الماضي في كثير من دول العالم.
3 – التعليم القائم على الأنترنيت:
كان لظهور الانترنيت وانتشارها في شتى بقاع العالم، الأثر الكبير والوقع العظيم في انفجار المعرفة في جل بقاع الدنيا، وكان لمرونة استعمالها وغنى مضامينها وتعدد إمكانيات استثمارها وسرعة أدائها ووفرة الاختيارات في توظيفها، الأدوار الحاسمة في انتشار التعليم عن بعد في العالم بالرغم من الإكراهات المالية والمادية التي تصادفها الدول المتخلفة والضعيفة الاستثمار في المجال.
لقد أدى انتشار الأنترنيت إلى تطور التعليم عن بعد وإلى بناء قناعات أخرى لدى مسؤولي حتى تلك الدول الضعيفة، من تجلياتها الإحساس بالأخطاء الاستراتيجية والتاريخية وفي اختياراتها السابقة. وبذلك، يبدو أن الجميع تفطن لذلك وبدأ يفكر بجدية في إعادة النظر في الأولويات وجعل الاستثمار في الموارد البشرية تعليما وتثقيفا وتكوينا من الأولويات في السياسات المستقبلية ومن الركائز الأساسية لكل تخطيط يروم الانخراط في عالم التكنولوجيا والمعرفة.
لقد وفرت الانترنيت إمكانات وإمكانيات يصعب حصرها، في وسائل وتقنيات التعليم عن بعد، وهي لا تزال في تطور مذهل ومستمر وملزم لكل المجتمعات تريد الانخراط في الحركية العالمية القائمة حاليا. بهذا الصدد، يمكن ذكر بعض هذه الوسائل والتقنيات القائمة على الأنترنيت على الشكل التالي:
👈البريد الإليكتروني e-mail :
بهذه التقنية، يمكن تبادل الدروس ومختلف الملفات الإلكترونية، المكتوبة والمسموعة والمرئية بسرعة البرق كما يقال، ويتم التفاعل عبرها بين الأستاذ والمتعلمين بأعداد كبيرة ومن أماكن مختلفة.
👈مواقع الأنترنيت Les URL :
وهي متوفرة بالملايين وفي شتى حقول ومجالات المعرفة الإنسانية، منها ما هو مفتوح ومنها ما يتطلب الأداء لفتحه وتتبع تعلمه فيها، إذ توفر هذه المواقع معارف وتعلمات وتكوينات حسب الطلب والرغبة، كما توفر الدروس والموسوعات، المكتوبة والمسموعة والمرئية والتفاعلية لجميع الفئات البشرية حسب المستوى والتخصص والمجال وبمختلف اللغات...
👈المنصات أو المسطحات الرقمية plate forme numérique ou Espace de travail :
وهي فضاءات افتراضية وبيئات إلكترونية مخصصة للعمل الجماعي، سواء بشكل تزامني أم لا. منها المجانية ومنها المؤداة عنها في حالة الرغبة في استعمالها، وهي أيضا فضاءات توفر العديد والكثير من الخدمات الضرورية لحسن استثمارها واستغلالها، كخدمة اللقاءات المباشرة مع أعضاء المجموعة (القسم الدراسي الافتراضي) بالصوت أو بالصوت والصورة أو بالمناقشة عن طريق الكتابة ''الشات''، وخدمة تقاسم المطبوعات والدروس بشتى أنواعها وامتداداتها (مكتوبة، فيديو، أوديو...) وخدمة عملية التقويم عن بعد إلى غير ذلك من الخدمات التي تتطور وتتزايد مع مرور الزمن ومع التطور السريع في هذا الميدان.
ومن أمثلة ذلك، ما أقدمت عليه الوزارة مؤخرا -بسبب الحجر الصحي الذي فرضه وباء ''كورونا''– من اعتماد واحدة من آلاف المنصات الإلكترونية التي توفرها الانترنيت، وهي منصة أو مسطحة Microsoft teams، إلى جانب موقع ''تلميذ-تيس'' الالكتروني، بالإضافة إلى بعض القنوات التلفزية الوطنية التي تقدم وتمرر عددا من الدروس التعليمية لمختلف الأسلاك التعليمة ومختلف المستويات الدراسية.
هذه المنصات الرقمية، تمكن من إنشاء أقسام افتراضية تجمع الأساتذة بالمتعلمين عن بعد لتمرير موارد رقمية وإمكانية مناقشتها وتوضيح ما صعب منها وتتبع أعمال المتعلمين وكذا إمكانية تقويم أعمالهم، سواء عبر لقاءات متزامنة أو غير متزامنة حيث يمكن لأي واحد من أطراف العملية التعليمية/التعلمية، الدخول إلى المنصة الرقمية متى شاء وأين شاء، ليجد ما تم تقاسمه من موارد ودروس وتمارين ودردشة وعناوين إلكترونية ليتعلم حسب إيقاعاته وظروفه.
جدير ذكره ونحن نتحدث عن التعليم عن بعد القائم على الانترنيت، أن نثير انتباه القراء إلى كون هذا النوع، هو كذلك، يتكون من عناصر أربعة أساسية على الأقل، وهي:
☑ شبكة الانترنيت والعتاد الإلكتروني الضروري لإجراء هذا النوع من النشاط التعليمي.
☑ التلاميذ المتعلمين أو المستفيدين من العمل.
☑ المواد والمضامين التعليمية، وهي على شكل موارد رقمية مختلفة ومتنوعة.
☑ الأساتذة وذلك من أجل تنظيم لقاءات متزامنة أو حوارات متبادلة أو دردشات أو تقويم أعمال ...إلخ
إنه المربع الديداكتيكي الضروري لكل عملية تعليمية/تعلمية، إسوة بالمثلث الديداكتيكي المعروف سلفا.
تبقى نقطة أخرى من الضروري ذكرها، هي أن عملية التعليم عن بعد كما أنها تصلح لتلاميذ المدرسة وطلاب الجامعات، فإنها تصلح كذلك لكل فئات المجتمع (موظفون، عمال، مهنيون...)، سواء من أجل استكمال دراستهم أو تطوير كفاياتهم أو تحسين أداءاتهم أو التأقلم مع مستجدات أعمالهم (التكوين المستمر مثلا).