التعليم عن بعد في حلقات - الحلقة 4 - مزايا التعليم عن بعد و مساوئه
إن الفجوة الرقمية الحاصلة بيننا وبين الدول المتقدمة والمتطورة والتي اهتمت بهذا المجال منذ مدة، قد أبانت عن تأخرنا الكبير بهذا الصدد، كما أظهرت وأبرزت للعيان الأخطاء الاستراتيجية المرتكبة في مجموعة من المشاريع الوطنية التي تم الإعلان عنها منذ أزيد من عقد من الزمن ببلادنا.
فمشروع ''جيني'' مثلا، المتعلق بإدماج تكنلوجية المعلوميات والاتصال في التعليم قد شهد الانطلاقة منذ سنة: 2009 مع البرنامج الاستعجالي في التعليم الذي كان يروم تصحيح وتقويم ومعالجة بعض الإخفاقات التي حصلت بمناسبة تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ببلادنا الذي بدأ تفعيله منذ عام 2000، لم يحقق جل الأهداف التي من أجلها شرع، بالرغم من رصد كل الإمكانيات المالية والمادية التي ستؤدي به إلى تحقيق القفزة الضرورية في مجال هذا الإدماج المعلن عنه. وهكذا بقيت العديد من المؤسسات التعليمية بدون العتاد والأجهزة التقنية التي بإمكانها النهوض بهذا القطاع، وإن توفرت في مؤسسات أخرى فكثير منها لا يشتغل ولا تتم صيانتها ولا إصلاحها ولا تتبع وقعها وأثرها والنتائج المحققة بفضلها، أما فيما يتعلق بتكوين الأساتذة والإداريين والمتعلمين وجميع الفاعلين التربويين الذين لهم علاقة مباشرة أو قريبة بالشأن التعليمي، فلم تجر إلا القليل من الدورات التكوينية في السنوات الأولى من بداية المشروع ودون تعميمها ولا تقويمها بل تقييمها، الشيء الذي خلف الكثير من المعنيين بالشأن التربوي والتعليمي بدون تكوين متين وصلب يمكنهم من المسايرة فبالأحرى الإبداع والعطاء العميم والكافي.
أما فيما يخص توفير صبيب الأنترنيت الكافي في المؤسسات التعليمية فهدف لم يتحقق بعد، أي توفير ذلك الصبيب الذي يمكن جميع الفاعلين من الاشتغال في أريحية. وكل ما نراه من إنجازات وإنتاجات بمناسبة ''كورونا'' والاستمرارية البيداغوجية والتعليم عن بعد خلال هذه الفترة الأخيرة فلم يكن ليتحقق لولا تضحيات رجال التعليم عبر ما راكموه من خبرة عن طريق التكوين الذاتي وما وفروه من عتاد وصبيب الأنترنيت من جيوبهم.
نفس الشيء ينطبق على برامج وطنية أعلن عنها منذ سنوات خلت ك: ''المغرب الرقمي، الإدارة الإليكترونية''، حيث رقمنة الإدارة وإدماج هذه التقنيات في جميع الخدمات الإدارية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووو... فبعد مرور سنوات على ذلك، تمكنت قطاعات وخدمات أن تساير ذلك وتواكبه وتتطور بفضل هذا الإدماج، فيما بقيت قطاعات أخرى في مراحل متأخرة ويلزمها الوقت والإمكانيات والإرادة حتى تستجيب لمتطلبات العصر في هذا المجال.
إن الضرورة تستلزم تجاوز ذلك التأمل التقني الأولي المبهر أمام الإمكانات الضخمة لهذه الوسائل، كما تستلزم أيضا الإسراع في اقتحام هذا العالم بمزيد من العزيمة والإرادة وبكثير من الاستثمار فيه قصد إيجاد موطئ القدم في المسايرة والإبداع والاستثمار لجني الفوائد والمزايا التي توفرها هذه التكنلوجيات المعاصرة.
وبدون مزيد من الإطالة، سيتم تناول بعض مزايا ومساوئ التعليم عن بعد، مادام موضوعنا هو تخصيص بعض المقالات لتسليط الضوء على هذا المجال المستجد في منظومتنا التعليمية. هكذا سيتم تناول هذه النقط في الفقرات التالية، على أن يتم طرح بعض القضايا الأخرى ذات الارتباط الوثيق بها المجال فيما بعد:
1 – مزايا التعليم عن بعد:
☑ عصرنة مرفق التعليم والتكوين وتحديث أساليب العمل فيه ومواكبة التطورات التقنية لمختلف الخدمات، ويتجلى ذلك الانتقال بالتعليم من أسلوبه التقليدي إلى أسلوب عصري.
☑ تطوير إدماج وسائل تعليمية / تكنلوجية أكثر كفاءة وأسرع وأشمل في تحقيق وتجسيد عمليات التعليم والتعلم. فإدماج وسائط الإعلام والمعلوميات في العملية التعليمية يتساوق مع ظروف العصر ويتماشى مع تطور مختلف الخدمات الإدارية بصفة عامة.
☑ المساهمة في الرفع من المستويات التعليمية والعلمية والثقافية والاجتماعية والتقنية للمنخرطين فيه.
☑ التخفيف من ضعف بعض الإمكانيات التي تعاني منها بعض المؤسسات التعليمية (مختلف الوسائل التعليمية، بعض التجارب التعليمية، أسناد وأدوات من الصعب إحضارها...).
☑ التقليل من الفروقات الفردية بين المتعلمين، لكون التعليم عن بعد بإمكانه توفير مختلف المصادر التعليمية وجميع وسائل الدعم والتقوية والتعزيز...).
☑ فتح الأفاق أمام الجميع في الارتقاء الوظيفي للعاملين وحتى غير العاملين حيث يمكنهم الاستفادة من مثل هذه الخدمات تمكنه من البحث عن عمل يتماشى مع ميولاته واهتمامه، شريطة أن تفتح الدولة أفاق سوق الشغل.
☑ تحفيز المتعلمين على اكتساب أكبر قدر من المهارات والكفايات والمعارف والتقنيات في شتى المجالات، وأمثلة كثيرة ومتنوعة في المجتمعات، خاصة في المجتمعات المتقدمة.
☑ التعليم عن بعد يناسب كل فئات المجتمع، التلاميذ والطلبة والموظفين والمهنيين وغيرهم. إنه أفاق مفتوح على تطوير الذات وتنميتها.
☑ إمكانيته في توفير عدة طرق ووسائل وتقنيات التعليم ليستجيب لمختلف أنماط التعلم عند التلاميذ (تجارب مرئية، أشرطة سماعية، أنشطة تفاعلية، ألعاب تعليمية وتربوية....).
☑ تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة وآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة عموما، من الاستفادة والمشاركة والالتحاق بهذا النوع من التعليم والتكوين لتحقيق ذاته وكسب مزيد من الاستقلالية.
☑ المساعدة على تنمية الانضباط والشعور بالمسؤولية وترسيخ التعلم الذاتي لدى كل الأفراد.
☑ التربية على حسن إدارة الوقت وتحسين المهارات الفكرية المستقلة لدى كل فرد.
☑ تنويع الفرص وتجسيد حرية الاختيار لدى المتعلم ليركز أكثر على ما يريد وما يرغب فيه في الوقت الذي يريد وبالإيقاعات التي يرتضيها.
إنها بعض مزايا التعليم عن بعد المتعددة والكثيرة، لا سبيل إلى الإطناب فيها حتى يفسح المجال إلى بسط النقط الأخرى في هذه الحلقة.
2 – سلبيات ومساوئ التعليم عن بعد:
كما سبق ذكره أعلاه، يمكن القول إن كل نشاط أو مجال له سلبيات ومحاسن، إنها طبيعة النشاط الإنساني ككل. فبعد أن تم التطرق إلى مزايا التعليم عن بعد، لابأس من فتح المجال كذلك لتناول بعض سلبياته ومساوئه في الفقرة الثانية، على أن يتم تخصيص الحلقة المقبلة لبعض الإكراهات الموضوعية أساسا والتي تعيق تعميم هذه الخدمات والتقنيات في المنظومة التربوية ببلادنا، وكيف السبيل إلى تجاوزها بتقديم بعض الآراء والاقتراحات التي تصب في هذا الاتجاه:
✘ العزلة أو البعد، حيث يكون المتعلمون بعيدين وفي عزلة عن الأساتذة أو المكونين الذين يشكلون المصدر المباشر لمساعدتهم على الفهم وتمثل التعلمات أكثر خصوصا عندما يتعلق الأمر بفئات الصغار. هذا علاوة على تباعد المتعلمين فيما بينهم مما يفقد العملية التعليمية التعلمية ذلك الجو التعليمي في مجموعات حيث المنافسة والمناولات الجماعية والتفاعلات الصفية المختلفة تحت الإشراف المباشر للأستاذ.
✘ ارتفاع التكلفة المادية للإنضمام إلى هذا النوع من التعليم، لكن هنا ينبغي على الدولة أن تعمل على التخفيف من التكلفة بتوفير ما يلزم خصوصا فيما يتعلق بالتعليم النظامي الرسمي. يبقى هذا من واجب الحكومات والدول.
✘ إمكانية حدوث عمليات غش أثناء بعض التقويمات التي يمكن للأستاذ أن يجريها مع التلاميذ عبر الأنترنيت مثلا، ولمعالجة ذلك، يمكن أن يتم التركيز على التقويمات الحضورية تحقيقا لتكافؤ الفرص بين المتعلمين، فيما يتم الاستئناس فقط بالتقويمات عبر الانترنيت.
✘ التعليم عن بعد لا يصلح في بعض التخصصات والمجالات، خاصة تلك التي تحتاج لزوما إلى التداريب الميدانية والعملية مثل: الطب والصيدلة والهندسة وبعض الفنون كالرسم والنحت وبعض أنواع التعليم في مجالات الصناعة والفلاحة ...إلخ
بعد الوقوف على هذه المساوئ في التعليم عن بعد، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون عائقا أمام التحمس في الانخراط في هذا العمل الجاد والواعد وذي أفق مستقبلي واضح ومؤكد، يمكن الانتقال إلى بعض الإكراهات التي سببت وتسبب في عدم انتشار هذا التعليم بشكل واسع لدى الدول النامية كما يقال، مع إرفاق ذلك ببعض الاقتراحات لتجاوز هذا التعثر والجمود الذي نشاهده، اللهم ما بدأنا نشاهده من نشاط وحيوية ببلادنا كما في بلدان العالم أجمع بمناسبة هذا الظرف الاستثنائي الذي خلقته جائحة ''كورونا''. جدير بالذكر، أننا نتطلع جميعا أن يكون هذا النشاط وهذه الحيوية التي نراها اليوم في قطاع التربية الوطنية والتعليم الجامعي والتكوين البداية الحقيقية لإرساء هذا النوع من التعليم ببلادنا وعلى أسس صحيحة وسليمة وبقناعة كبيرة وإرادة قوية، وألا يكون ذلك من الأنشطة المناسباتية التي تنتهي بنهاية الأسباب والدواعي... لنعتبر ولنأخذ الدرس ولننظر إلى المستقبل الذي لا يستطيع أحد التنبؤ به.
بقلم: ذ. محمد صادقي